فى مقاله الأخير بجريدة الأهرام .. عرض الدكتور جلال أمين قصة عميقة المغزى .. وبالغة الطرافة .. كتبها الكاتب الفرنسى الشهير أناتول فرانس فى أواخر القرن التاسع عشر .. اسمها "الحاوى والسيدة العذراء" .. حازت شهرة عظيمة .. سأعرض ملخصها هنا دون تفسير أو تعقيب .. تروى القصة أن حاويا فقيرا فى مدينة فرنسية صغيرة .. كان يجوب الشوارع محاولا أن يلفت نظر المارة وخاصة الأطفال .. لبعض الألعاب التى أتقنها ويظهر مهارة فيها .. كأن يضع قرشا فى أعلى عصا طويلة ثم يضع العصا على طرف أنفه .. ويستطيع بالمحافظة على توازنه أن يحتفظ بالعصا مستقرة على أنفه دون أن يقع القرش .. فيستمر تصفيق المتفرجين .. أو كأن يلقى ببضع كرات ملونة فى الهواء ثم يتلقاها بيديه الواحدة تلو الأخرى دون أن تقع أى منها على الأرض .. أو أن يفعل مثل هذا مع مجموعة من السكاكين دون أن يصيب نفسه بأذى .. إلخ .. و فى أحد الأيام قابل الرجل أحد الرهبان .. ولاحظ الراهب أن الحاوى يحمل فى قلبه إيمانا صادقا .. فعرض عليه أن ينضم إليهم فى الدير ويصبح راهبا مثله .. رحب الحاوى بالفكرة وذهب لاحضار متاعه البسيط وقصد الدير وبدأ حياة الرهبان .. اطمأن الرهبان إليه ولاحظوا جميعا قوة إيمانه وأثنوا عليه .. ولكنهم لاحظوا بعد بضعة أسابيع تغيبه عن بعض الصلوات .. وعندما تكرر ذلك أرسلوا أحدهم إلى حجرته لمعرفة ما الذى يمكن أن يشغله عن الاشتراك معهم فى الصلاة .. ذهب الراهب فوجد باب حجرة الحاوى مغلقا .. ولكنه رأى شقا فى الباب يمكنه من خلاله أن يشاهد ما يجرى فى الغرفة .. نظر الراهب فرأى ما لم تصدقه عيناه .. رأى الحاوى واقفا أمام تمثال السيدة العذراء يصلى .. ولكنه فوجئ به يقوم فى نفس الوقت ببعض الألعاب التى اعتاد القيام بها أمام المارة فى الطريق .. يقوم بها الآن فى مواجهة التمثال .. يعرض مهاراته على السيدة العذراء للاحتفاظ بالعصا واقفة على أنفه وإلقاء الكرات الملونة فى الهواء ثم التقاطها واللعب بالسكاكين .. كان من الواضح أنه يفعل ذلك الآن من أجل السيدة العذراء دون غيرها إذ لم يكن هناك شخص آخر فى الغرفة .. اعترت الراهب دهشة عظيمة ثم ذهب لنقل الخبر إلى بقية الرهبان .. فلما تأكدوا من روايته .. اعتراهم غضب شديد .. واعتبروا ما يحدث عملا شائنا للغاية .. بل ذهب بعضهم إلى اعتباره من قبيل الكفر الصريح .. قرروا ارسال اثنين منهم لكسر الباب ومنع الرجل من الاسترسال فى هذا العمل الشائن أمام تمثال العذراء .. ولكنهم فوجئوا برؤية منظر لم يكن يخطر لهم على بال .. إذ قبل أن يوجه أحدهما أى كلمة إلى الحاوى .. رأيا تمثال السيدة العذراء يتحرك .. وإذا بها تمد يدها فتمسك بطرف ردائها وتقربه من وجه الحاوى الواقف أمامها والمتصبب عرقا .. فتمسح بطرف الرداء بعض العرق من وجهه فى لمسات حانية .. كان الرجل مخلصا وصادقا فى تدينه .. ولكن طريقته الجديدة فى ممارسة شعائر الدين لم تعجب زملاءه من الرهبان .. فاتهموه بالهرطقة والكفر ..
No comments:
Post a Comment