ولد لأحد الفلاحين ولدٌ فسماه زعيط وتركه يلعب في التراب وينام في الوحل حتى صار يقدر على تسريح الجاموسة فسرّحه مع البهائم إلى الغيط يسوق الساقية ويحوّل الماء وكان يعطيه كل يوم أربع حندويلات وأربعة أمخاخ بصل وفي العيد كان يقدّم له اليخنى ليمتعه بأكل اللحم بالبصل وبينما هو يسوق الساقية وأبوه جالس عنده مرّ بهما أحد التجار فقال لأبيه لو أرسلتَ ابنك إلى المدرسة لتعلَّم وصار إنساناً فأخذه وسلمه إلى المدرسة فلما أتمَّ العلوم الابتدائية أرسلته الحكومة إلى أوروبا لتعلم فنٍّ عينته له فبعد أربع سنين ركب الوابور وجاء عائداً إلى بلاده فمن فرح أبيه حضر إلى إسكندرية ووقف برصيف الجمرك ينتظره فلما خرج من الفلوكة قرب أبوه ليحتضنه ويقبله شأن الوالد المحب لولده فدفعه في صدره وجرت بينهما هذه العبارة:
زعيط: سبحان الله عندكم يا مسلمين مسألة الحضن دي قبيحة جداً.
معيط: أمال يا بني نسلّم على بعض إزّاي
زعيط: قول بُونَر يفي وحط إيدك في إيدي مرة واحدة وخلاص
معيط: لهو يا ابني أنا باقول منيش ريفي.
زعيط: موش ريفي يا شيخ انتم يا أبناء العرب زي البهايم.
معيط: الله يسترك يا زعيط والله جا خبرك يا ابني فوت روح فوت فلما توصل به الكفر قامت أمه وعملت له طاجناً في الفرن مملوءاً لحماً ببصل فلما رآه قال لها:
ليه كترتي من الـ
معيكه: من ال ايه يا زعيط
زعيط: من البتاع اللي اسمه ايه
معيكه: اسمه ايه يا ابني. الفلفل
زعيط: نونو ال دي ال البتاع اللي ينزرع
معيكه: الغلة يا ابني
زعيط: نونو دي اللي يبقى لو راس في الأرض
معيكه: والله يا ابني ما فيه ريحة التوم
زعيط: البتاع اللي يدمع العنين اسمو أونيون
معيكه: والله يا ابني ما فيه أونيون ولا. دا لحم ببصل.
زعيط: سي سا بصل بصل
معيكه: ويا زعيط يا ابني نسيت البصل وإنت كان أكلك كله منه.
معيط شكاه لأحد النبهاء وقال ولدي توجه أوروبا وحضر يذم بلاده وأهله ونسي لغته فقال له النبيه ولدك لهم يتهذب صغيراً ولا تعلم حقوق وطنه ولا عرف حق لغته ولا قدر شرف الأمة ولا ثمرة الحرص على عوائد الأهل ولا مزية الوطنية فهو وإن كان تعلم علوماً إلا أنها لا تفيد وطنه شيئاً فإنه لا يميل إلى إخوانه ولا يستحسن إلا من يعرف لغتهم على أنه أصبح كالحجل لما أراد أن يقلد الغراب في مشيته وعجز عن التقليد واستحال عليه عوده لطبيعته الأولى فأصبح يقفز قفزاً وقد خرج عن حد الجنسية وطباع النوعية ولا يفعل فهل ولدك إلا اللئيم جاهل بوطنه فكم من شبان تعلمت في أوروبا وعادت محافظة على مذهبها وعوائدها ولغتها وصرفت علومها في تقدم بلادها وأبنائها ولم ينطبق عليهم عنوان عربي تفرنج.
No comments:
Post a Comment