أتقدم بين يديك بخدمة وطنية دعاني إليها حبي فيك وخوفي عليك وما هي بالعظيمة فتشكر ولا بالبليغة فتمدح وإنما هي صحيفة أدبية تهذيبية تتلو عليك حكماً وآداباً ومواعظ وفوائد ومضحكات بعبارة سهلة لا يحتقرها العالم ولا يحتاج معها الجاهل إلى تفسير تصور لك الوقائع والحوادث في صور ترتاح إليها النفوس وتميل. ويخبرك ظاهرها المستهجن بأن باطنها له معانٍ مألوفة وينبهك نقابها الخَلق بأن تحته جمالاً يعش وحسناً تذهب الأرواح في طلبه هجوها تنكيت ومدحها تبكيت ليست منمقة بمجاز واستعارات ولا مزخرفة بتورية واستخدام ولا مفتخرة برقة قلم محررها وفخامة لفظه وبلاغة عبارته ولا معربة عن غزارة علمه وتوقد ذكائه ولكنها أحاديث تعودنا عليها ولغة ألفنا المسامرة بها لا تلجئك إلى قاموس الفيروزأبادي ولا تلزمك مراجعة التاريخ ولا نظر الجغرافيا ولا تضطرك لترجمان يعبر لك عن موضوعها ولا شيخ يفسر لك معانيها فهي في مجلسك كصاحب يكلمك بما تعلم وفي بيتك كخادم يطلب منك ما تقدر عليه ونديم يسامرك بما تحب وتهوى فاجعل لها نصيباً من عمرك الجليل ومتعها بنظرة تجلو مرآتها وتبصر خباياها ولا تفوق سهام الرد قبل أن تدخل معها المضمار ولا تنكر عليها ما تحدثك به قبل أن تطبقه على أحوالنا ولا تظن مضحكاتها هزءاً بنا ولا سخرية بأعمالنا فما هي إلا نفثات صدور وزفرات يصعدها مقابلة حاضرنا بماضينا فإن صدقت في الخدمة فأجري منك المساعدة وإن قصرت فقد بلغت جهدي وصرفت ما في إمكاني فإن شئت عذرت وإن شئت أطلقت عنان أفكارك في ميدان يكبو فيه جوادي.
ولسنا بدار الحرب أو أرض فتنة ... ولكن لنا في العالمين نظير سهروا الليالي فاستراحوا دهوراً وما بلغوا مقام العزة بلهو ولا لعب ولا إفساد ولا خروج عن حدود الإنسانية وإنما نظروا إلى الإنسان فرأوه فعالاً ما اضطر أو اضَّطر وقد اضطرهم تقدم الأمم إلى النظر فيما يعظم ثروتهم ويؤيد حكومتهم ويعلي كلمتهم ويظهر وطنيتهم فما تركوا خفياً إلا أظهروه ولا مجهولاً إلا علموه ولا مشكلاً إلا حلوه ولا معمى إلا فسروه فأتوا غرقى في بحار الخشونة والخرافات وأصبحوا في سفن السياحة يعبرون بها بحار الوجود لمباح يملكونه ومهدر يختلسونه وتجارة يوسعونها وأمة يسوسونها وأنت أنت تفخر بعزة الإباء وتمرح في أرض اتسع غامرها وقل عامرها وضعفت حجابها وفتحت أبوابها فهي كدار الضيافة يقابل فيها القادم بالسلام والترحاب ويتمتع فيها الضيف بكرم لا يدخل تحت حساب مع تعظيم يجل عن مقامه واحترام لا يبلغه في أشراف قومه إن غضب ترضيناه بتقبيل الأيدي والأقدام وإن فحش قابلناه برقيق الكلام وإن انتهب حقاً سامحناه وإن اغتصب مالاً زدناه فإنه عزيز في الوجود رفعه العلم إلى درجة يعدنا فيها من البهائم وأوصلته محبة الجنسية إلى مقام يصعب علينا الوصول إليه فهو في عالم ونحن في عالم وإن جمعنا في مكان.
ويا أيها المصري ألا تذكر ما كنت فيه من حضيض الخسف وحفرة الذل وتراجع ما كنت تقاسيه من دفع المغارم وتحمل المظالم وتقابل ماضيك بحاضرك لتعرف فضل النعمة وقدر الإحسان. ألا ترقب حكومتك في أعمالها لتهتدي إلى سبيل التقدم وطريق العرفان. ألا تقراه ما ينشر عليك من الأوامر الداعية إلى الائتلاف المحذرة من الاختلاف الداحضة حجج أهل البغي والفساد. ألا تنظر ما تعقده من المجالس لتخلصك به من مخالب المصائب التي أوقعك فيها جهلك وبعدك عن التبصر في العواقب وإهمالك في حقوق الوطنية وواجبات الإنسانية. أظنك لو تدبرت أمرك لاستحييت من مقابلة من لم يولد في أرضك وعلمت أنك في احتياج إلى مهذب يرشدك ومؤدب يوقفك عند حدودك ومنبه يوقظك من غفلة الكسل ونومة الإهمال. على انك أهل الذكاء ورب البلاغة ومنبع المعارف ومبتدع الصنائع ولكنك جهلت تاريخك. وسأتحفك بغرائب قومك ومناقب أصلك أقدمها إليك شذوراً مردفة بما نحن فيه من التبكيت لتعذر المتنهد وترحم المسكين وتكون من الذين أعادوا مجدهم وأحيوا أوطانهم فأصبحوا ببقاء ذكرهم في الوجود من الخالدين.
No comments:
Post a Comment